محمود عطية
لعل هناك سؤالا يتردد على الألسنة وهو : هل الأن من هجرة تعيد لهم الكرامة وتحقق لهم التمكين؟
لقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ” لا هجرة بعد الفتح،ولكن جهاد ونية”،جهاد لنصرة الدين ونية الخير فى كل عمل.
إن المعني الحقيقي للهجرة الأن هو هجرة القلوب وليست هجرة الأجساد،هجرة الأرواح والهمم وليست هجرة الجوارح،وعلينا أن نأخذ العبرة ممن ضحوا بكل شئ ليهاجروا حيث تركوا أهليهم وأولادهم وأوطانهم طاعة لله.
لقد أدركت قريش خطورة هجرة النبى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة،خوفا علي مصالحها الإقتصادية وكيانها الإجتماعي القائم بين قبائل العرب،فإجتمعت في دار الندوة للتشاور في أمر القضاء علي قائد الدعوة،لأن وجوده في يثرب يهدد مصالحها الإقتصادية المتمثله في القوافل التجارية ،وتشاوروا فيما بينهم على أن يحبسوه حتى الموت أو يقتلوه أو ينفوه،وإنتهت الأراء إلى أن يضربوه ضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه بين القبائل فلا يستطيع بني هاشم المطالبة بالثأر لقتيلهم،وإذ بالقرآن الكريم ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم ليطلعه علي ما يدبره القوم له ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”،وباءت كل محاولاتهم بالفشل،وخرج النبى صلى الله عليه وسلم سالما متوجها نحو المدينة،وعند دخوله المدينه قام ببناء المسجد والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
إن حادثة الهجرة المباركة تعطينا العبر والعظات منها:
- التخطيط الجيد للرحلة،حيث أخذ النبى صلى الله عليه وسلم بالأسباب وخطط للرحلة تخطيطا يدل على عقلية بارعة وإدراك محكم وفكر مستنير ويتضح ذلك جليا من خلال توزيعه للأدوار،فعامر بن فهيرة راعى أغنام أبوبكر الصديق رضى الله عنه يطمس أثار الأقدام،وعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه ينام فى فراش النبى صلى الله عليه وسلم ليرد الأمانات،وأسماء بنت أبى بكر ذات النطاقين تحضر لهم الطعام(دور عظيم للمرأة بإعتبارها صانعة الحضارة)،وعبدالله بن أريقط مرشد الطريق وخبير الصحراء،وعبدالله بن أبى بكر يجمع لهم الأخبار( رجل المخابرات).
– إختيار الرفيق قبل الطريق،حيث اختار النبى الصديق أبوبكر،أختار رجلا مؤمنا إيمانا قويا بالله،وتوظيف الطاقات،وجواز الإستعانة بغير المسلمين في أمور الدعوة.
– وجوب رد الأمانات كما فعل النبي صل الله عليه وسلم ،ويتضح ذلك عندما ترك علي بن أبي طالب ينام في فراشه لكي يؤدي الأمانات إلي أهلها في الصباح.
– مكر خصوم الدعوة بالداعية وهو أمر مستمر ،فالصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن تقوم الساعة،وقد أستخدم أهل الباطل أسلحة متعددة لإغراء أصحاب النفوس الضعيفة،ويتضح ذلك عندما أغروا الفتيان بمائة ناقه لمن يأتى منهم بمحمد وصحبه أحياء أو أموات،وخير مثال سراقه بن مالك،” إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون”.
– حب الوطن من الإيمان،فعندما هاجر الرسول صل الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة وقف علي مشارف مكة يقول” والله إنك لأحب البلاد إلي الله ،وأحب بلاد الله إلي،ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت” ،وقوله أيضا عن يثرب(اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد)،إن ما قاله سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يستوقفنا لكى نتعلم حب الوطن والتضحية وبذل كل غال ونفيس للإرتقاء والنهوض به،فعلي الرغم من إيذاء قومه له،إلا أنه لم يتمني السقوط لوطنه،أو الهلاك لقومه رغم كفرهم.
– عفة الداعية عما فى أيدى الناس كما فعل النبى صل الله عليه وسلم،حينما رفض أخذ شيء من سراقة بن مالك ورد عليه قائلا ” لا حاجة لى فيها”،وهنا نتعلم درسا هاما وهو أن يعف الداعية عن أموال الناس ،لأن فى التعفف سبيل لحب الناس ورسوخ الدعوة بعيدا عن المتاجرة بالدين لأجل عرض زائل.
إننا بحاجه لهجرة كل عمل يبعدنا عن الله،بحاجه لهجرة رفقاء السوء،هجرة مروجي الإشاعات الكاذبة،هجرة من السلبية إلى الإيجابية،هجرة الهمم والعزائم من حالة اليأس إلي الأمل والثقة.
نتعلم من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نهجر كل سلوك مشين وكل فعل مرفوض،ولا ننسى نصرة الله لنبية صل الله عليه وسلم” إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد”.
حفظ الله بلادنا من كيد الكائدين،ووفق ولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد،كل عام أنتم بخير…
لا تعليق